responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 323
إِثْمًا أَوْ تَلَوُّمًا لَهُمْ وَإِعْذَارًا لَعَلَّ مِنْهُمْ مَنْ يَثُوبُ إِلَى الْهُدَى وَقَدْ صِيغَ هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْأُسْلُوبِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّوْجِيهِ بِالتَّهْدِيدِ لَهُمْ أَنْ يُذْهِبَ اللَّهُ سَمْعَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ مِنْ نِفَاقِهِمْ إِنْ لَمْ يَبْتَدِرُوا
الْإِقْلَاعَ عَنِ النِّفَاقِ وَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ وَقْعُ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ كَمَا وَقَعَ لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ لَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت: 13] . فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنِ اجْتِلَابِ لَوْ فِي هَذَا الشَّرْطِ إِفَادَةَ مَا تَقْتَضِيهِ (لَوْ) مِنَ الِامْتِنَاعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ الْإِعْلَامَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ بَلِ الْمَقْصُودُ إِفَادَةُ لَازِمِ الِامْتِنَاعِ وَهُوَ أَن توفر أَسْبَابَ إِذْهَابِ الْبَرْقِ وَالرَّعْدِ أَبْصَارَهُمُ الْوَاقِعَيْنِ فِي التَّمْثِيلِ مُتَوَفِّرَةٌ وَهِيَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهُمَا إِذْ إِنَّمَا رُزِقُوهُمَا لِلتَّبَصُّرِ فِي الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَسَمَاعِ الْآيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنِ الْأَمْرَيْنِ كَانُوا أَحْرِيَاءَ بِسَلْبِ النِّعْمَةِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ إِمْهَالًا لَهُمْ وَإِقَامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَكَانَتْ لَوْ مُسْتَعْمَلَةً مَجَازًا مُرْسَلًا فِي مُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ إِظْهَارًا لَتَوَفُّرِ الْأَسْبَابِ لَوْلَا وُجُودُ الْمَانِعِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ أُبَيِّ بْنِ سُلْمَى بْنِ رَبِيعَةَ مِنْ شُعَرَاءِ «الْحَمَاسَةِ» يَصِفُ فَرَسَهُ:
وَلَوْ طَارَ ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا ... لَطَارَتْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطِرْ
أَيْ تَوَفَّرَ فِيهَا سَبَبُ الطَّيَرَانِ، فَالْمَعْنَى لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ بِزِيَادَةِ مَا فِي الْبَرْقِ وَالرَّعْدِ مِنَ الْقُوَّةِ فَيُفِيدُ بُلُوغَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ قُرْبَ غَايَةِ الْقُوَّةِ، وَيَكُونُ لِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَوْقِعٌ عَجِيبٌ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تَذْيِيلٌ، وَفِيهِ تَرْشِيحٌ لِلتَّوْجِيهِ الْمَقْصُودِ لِلتَّهْدِيدِ زِيَادَةً فِي تَذْكِيرِهِمْ وَإِبْلَاغًا لَهُمْ وَقَطْعًا لِمَعْذِرَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
[21]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ ثَنَى بِهِ الْعِنَانَ إِلَى مَوْعِظَةِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنَ الْفِرَقِ الْأَرْبَعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا مَوْعِظَةً تَلِيقُ بِحَالِهِ بَعْدَ أَنْ قَضَى حَقَّ وَصْفِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُم بخلاله، ومثلت حَالُ كُلِّ فَرِيقٍ وَضُرِبَتْ لَهُ أَمْثَالُهُ فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى أَحْوَالًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَضْدَادِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لَا جَرَمَ تَهَيَّأَ الْمَقَامُ لِخِطَابِ عُمُومِهِمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ إِرْشَادًا لَهُمْ وَرَحْمَةً بِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى لَهُمُ الضَّلَالَ وَلَمُُْ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 323
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست